la petite voix qui dit de grandes choses…

993311652252035441015313655304237125680469n1.jpg

 

21 décembre, 2009 à 20:23 | Commentaires (0) | Permalien


…عائدة الى الأسود

لملمت بعضي و خرجت بخطوات من سرق قلبا لم و لن يكون له إلى الأبد…

قد يبدو الحب أشهى ساعة الجلاء… لكن الهروب منه يبقى كالمشي ثملا على حبل بكعب عالي… لذا اخترت التواضع لقدري بالمشي حافية القدمين…

ذات حزيران… و المطر ينزل في خفر… وجدتني أجتاح شارع حزن جديد على حيطة شبه عتمة… ألبس ثوب الخيانة عامدة متعمدة… أجر خيبة جديدة و مشروع كتاب…

اعتقدتني قد أطفئ حرقتي بقدح نبيذ أسكبه على نار أضرمها القدر فاحترقت بها شوارع بيروت و جوارحي… لكن الحب  كالحرب لحظة الخيانة الكبرى… إن لم تمت فيهما حزنا… فلك عذاب الضمير… إلى أن يخور صبرك… لتنهار أعصابك… عصبا … عصبا… حتى الجنون… 

كانت رائحة الخبز تنبض بجوفي… و الحياة تدب ببطء شديد في عروق المدينة…

براغ… الرائعة الباروكية المتشبعة بالتاريخ… تستقبل صيفها بعيدا عن وطأة المدافع و الدبابات…  تتفتح لصباحات جديدة … تتنكر للخيانات و الخيبات الليلية ببودرة الضياء …

غريبة هي محطات القطارات الصباحية… دائما تعج بأناس مستعدين للسفر… و كأنهم ناموا فاستيقظوا على سكك الرحيل… بل و كأنهم ولدوا ليموتوا على سنة الرحيل … تذكرك دوما بأن الحياة لا زالت و ستظل على حالها المعتاد… جملة من التنقلات المملة… بين شؤون اخترتها أو  وضعت على سبيلك صدفة… أو بمشيئة قلما تتشابك و مشيئتك…

  

 السفر صفة ثابتة في جنس البشر…  و كم يخطئ المرء قصده…

بائع التذاكر… بابتسامته المغرية… و تحيته المسكية المذاق… قد يكون هو السبب في تفاقم حزني اليوم… فهو شاهد على سقوط بيروت… و كل من صادفتهم في محطة خيبتي الباكرة … جميعهم شهود على سقوط بيروت…

 غريبة هي المفارقات العشقية المؤنثة… قضيت عمرا ألهث خلف حب مستحيل… استحالة الماء في لمع السراب…  و ها أنا أجتاح حلمي الأخير في قطار المطرودين من واقع خبيث كورم عصي… يعبث بنبض العروق… أقف عند كل بؤرة شك… أنفض عني رواسب عمر احترق سرا… أكفكف دمعي الغزير… بمنديل مطرز بخيوط الصبر… هروبا من قصيدة غزل…

بلغت نزلي… قبل مطلع الشمس… تسللت لحمامي… على الرغم مني… فلا زلت أعاني من عقدة الحمام…

ما قد يسميه المرء زلة وعي… قد يسميه الآخر فشلا … كذلك فشلت… منذ عام… في تنفيذ مبدأ تقطيع العروق…

كيف؟؟؟ كيف أخفقت… بالرغم من  جرعة الأسبرين و حبوب النوم و النزيف المعصمي…في مهمة الالتحاق بموكب بيروت؟؟؟ أعتقدني أخطئت جرعة حزني… فوحده الحزن قادر على تحمل عبئ هته السفرات المدروسة …

 

تمنيت لو اختصرت ذاكرتي كل ما تجرعته يومها… في صورة جثة رسمت بالطبشور على أرضية الحمام… لكن الرياح دوما تهب بما لا تشتهيه السفن… لأجدني كبحار لا يعرف شيئا عن شعائر الملاحة أيام العاصفة… مذ تركت غيبوبتي عودة إلى الجحيم… دائما يعاودني ذات الكابوس… لا أسمع فيه سوى صفارات الإسعاف… وسط غرفة تعج بالأشرطة الصفراء… و رجال الشرطة… تتداخل الأضواء الحمراء و الزرقاء بجوفي… لأتيه بفوضى ظنوني التي تأخذ منحى بنفسجة انفتحت على كارثة صباحية… و محاولة اغتيال … أو انتحار…

ما الكوابيس… سوى انعكاس الجزء المظلم من فكر البشر… و ما الخوف منها سوى تجسيد لخوفنا المعتاد من الظلام لا أكثر…

لتحب الظلام… تجرد من عقدك الفرويدية كلها… و مارس احتراقك من غير تحفظ … علمتني الغربة حب الظلام…   فبعض المدائن كالنساء… يزددن افتتانا عندما يتجردن من زيف الضياء… ليبكين سرا خيباتهن على مخدة الليل… كذلك براغ يوم استقبلتني… كانت تلبس نسمة خفيفة فائقة الإغراء… تكشف محاسنها في حشمة عتمة … ممراتها الحجرية… قصورها الدوقية… كنائسها القوطية… تستهويك همسا لممارسة حزنك بجميع طقوسه…

أذكر أن سائق التاكسي اكتفى يومها بسؤالي عن وجهتي… بانجليزية شبه معطوبة… دخل بعدها في صمت حالك… عله قرأ على وجهي علامات حداد كتلك التي تجرد وطني من جميع صيغ الكلام… فراح يطالع ملامحي من حين لآخر… و كأنه يبحث بينها عن أسئلة وحده يعرف الجواب عنها… كان شابا بمقاسات الوسامة المحلية… يشق الظلام على وقع أغنية حزينة… أثارت بجوفي رغبة غامضة في البكاء… و كدت أرتمي بين ذراعي عطره الرجولي الرزين و المتواضع في الوقت ذاته… كذئبة تعوي و قد قرح الشوق مدامعها… إلا أنني بلغت عنواني المنشود…   

عجيب كم يحس الإنسان بالراحة و هو بجوف حمامه… ذلك لأن الماء يذكره برحم أمه…

وحدها الأجنة تنعم بالراحة… في زمن يشغل الأطفال عن لعبهم… بالموت و السلاح… زمن لا يعد براعمه سوى بالخراب و اليتم… و زلزلة الأحلام الفتية… لو كان الأمر بيدي… لزرعت حبوب العقم في أرض العرب… حتى تتوقف آمتهم عن إنجاب وقود الحروب الخبيثة…

بعض دقائق في الماء تليها ولادة جديدة… لا تختلف عن كل الولادات التي عرفتها من قبل… أشعلت سيجارة… و وقفت أرقب عودة الحياة إلى مدينة الأبراج التاريخية العتيقة… 

جسر تشارلز… كثيرا يشعرني بالسغب … بالفقر… ترى أيرجع السبب لحجارته التي يقال أنها شدت بالاسمنت الممزوج بالبيض ؟؟؟

نزلت لحانة النزل… طلبت قهوة… تناولتها على عجل… ثم عدت لغرفتي… أتأمل منفضتي العامرة بأعقاب الخيبات… أنتظر رنين هاتف لا يرن…

كنت محتاجة لكتاب حزن أبكي بين دفتيه…

على خلاف خياناتها المعتادة… وجدت ذاكرتي تبوح لي… بسر حملته لي من الأمس… احتفظت به في حقيبة يدي…

 نزار… خيبة حب… و المطر… ثلاث متفاعلات كافية لتثير بجوفي إعصارا قد يلقن نهر فلتافا درسا عربيا في فن الفيضان العشقي… 

لا شك أنه أعتقدني سأظل أنتظره كقطة شامية… على الأريكة… أدخن حشيش عشقنا… بين أسطر قصائد خارجة عن القانون كقصتنا… إلى حين عودته… 

لما اختار نزار؟؟؟

أحقا لا  زال يذكرني ؟؟؟

لكن من لا يملك وطنا لا يملك تاريخ… و من لا يملك تاريخا لا يملك ذاكرة…

حتما ليست القضية قضية ذاكرة… علني فقط لفرط ما قرأني … تسربت من مسام جلده إلى عروقه فصرت محتومة عليه كزمرة دمه … سألته برعشة محتضر… ما الذي أتى بك؟؟؟ و أجاب مبتسما … قرأتك …

ثم إن كانت الذاكرة هي كل ما يجمعنا تحت سماء هته المدينة الذهبية التي تجهلنا بقدر ما نعشقها… لما سألني النسيان بعد طول غياب؟؟؟

قال لي… و هو يملأ كأسي الرابعة… استعيني على ذاكرتك بالسكر… و انسي لبنان صبرا و شتيلا…

و أجبته… بيروت المحروقة المشوهة…تنام في حفرة ذاكرتي… تحضن قرة تاريخي … أتأمل أن يفعل بي شراب براغ ما لم يفعله بي حبك المتمرد؟؟؟

 و واصل… أنت ربع ثملة… و شهية كتينة معسولة…

 مددت يدي أسترق بأناقة زيتونة كأسه… فامسك معصمي… مداعبا ندبات الجريمة… و قال بشيء من الحزن العربي النبرة… ما الذي أفقدك صوابك ؟؟؟  فأجبته بصوت بائعة هوى نصف ثملة… شراب براغ… و حزني ع … قاطعني دون ان يترك يدي… مثلك تماما أنا معطوب حرب… هلا قبلتي دعوتي… للرقص؟؟؟

أتممت كأسي الخامسة و رقصت مع قاتلي… على نغمة محلية ثلاثية الوزن…

لم يتفوه بكلمة… إلى أن تسربت قدمي تحت قدمه…

تعثرنا… و تلعثمت أجسادنا… لننفصل بعد طول حوار … حينها فوجئت بضياع تبعه ضياع… بين رغبات متداخلة…  رحت ألبيها على الرغم مني… واحدة… واحدة… تقيأت ثم أشعلت سيجارة… و أخرى… لتنقطع الصورة إلى أن وجدتني على أريكة بشقة في الحي اليهودي… ذات حزيران… و المطر ينزل في خفر…

 لملمت بعضي و خرجت بخطوات من سرق قلبا لم و لن يكون له إلى الأبد… متواضعة لقدري أمشي حافية القدمين…

اجتحت شارع حزن جديد على حيطة شبه عتمة… ألبس ثوب الخيانة عامدة متعمدة… أجر خيبة جديدة و مشروع كتاب…

 كان بكائي صاخبا… عن غير وعي… و قد بلغت قصيدة أم المعتز… و الأمير الدمشقي توفيق قباني… وجدتني غارقة في سواد كحلي… غريب هو ارتباط الحب باللون الأسود…

افتكني صوت نتاشا – فتاة النزل الموسكوفية –  الذي زارني عبر الهاتف… من خرابي المالح المذاق… جاءني مبشرا باتصال حولته إلى غرفتي…

سألني… ببعض الشوق… أأعجبتك الهدية ؟؟؟

كدت أسأله … أية هدية ؟؟؟ لولا طرقت نتاشا الباب… جاءتني تحمل باقة ياسمين… و علبة سجائر..

لما ؟؟؟ أما يكفيني دخان بيروت؟؟؟ و حرائق بيروت؟؟؟ جئت تحرقني بياسمينك… تمارس ساديتك من غير تحفظ… رددت منفجرة… و أتممت قولي مسترجعة أنفاسي … اتركني أواصل مشروع إعادة بنائي من دون إقحامك…  

لست ساديا… بل نزاريا يسكنك… وفي كل بناء تقيمين أو تهدمين سأظل حجر الأساس… ما أخذتي علبة السجائر… علمت أنها ليست نوعيتك … و أنك لست امرأة البدائل… لكنك كنت ستحتاجين مورفينك… تمنيت أن يقنع نزار و غبائي المتعمد عطرك الفاخر بالبقاء بين حيطان صالوني لمدة أطول…  و واصل… و ها أنا أتمنى لو تقبلي هديتي اعتذارا أعززه بعزيمة للقاء… أنا أنتظرك تحت…  و أقفل الخط …

عودتني أنوثتي العربية المقومات على الطاعة من غير سؤال… تعطرت… و نزلت بعد أن مسحت عن وجهي غمام نزار …

كان في سيارته… طاب لي ترقبه و هو يبحث عني يبن المارة… وددت لو أجعله ينتظرني لبعض الوقت… تماما مثلما انتظرته و بحثت عنه خلف كل نظارة سوداء… و في كل كلمة تخنقها ربطة عنق سوداء … و بين مطاوي كل بدلة رسمية سوداء صادفتني على الرغم مني منذ قرابة عمر… لكن أقدامي سبقتني إليه… فتحت الباب و ركبت قدري …

سلمنا على بعضنا كصديقين قديمين جمعتهما صدفة في مأتم…ثم شغل محرك الذاكرة… لنغدو في الاتجاه المشاكس لأقدارنا…

كبرت الأسئلة بجوفي… لكن  عطره الايطالي الهوية راح يعبث بأعصابي المكدودة… ما إن وطأت أقدامي أرض صحرائه الملغمة…

 تفاح أخصر و خزامة… و بعض الفلفل الأسود… كيف تقدر هته المعطيات البدائية ممزوجة في قارورة الأناقة الرجولية…  أن تتحول إلى إكسير قاتل ؟؟؟

كنت أحاول جاهدة إصلاح عطل حواسي التي تخلت عني واحدة… واحدة… و لم يبقى أمامي من سبيل سوى الاستعانة  بأنايا الأعلى لفك جمله المشفرة و محاولة الرد عنها بمثيل…

ما اعتقدتني قد أدين للجرائد يوما بخدمة عشقية بهذا الحجم… كنت ذاهبا لباريس يوم زف لي خبر تواجدك ببراغ…

 قال فيما كنت كمراهقة ترتعش تحت تأثير قبلة مسروقة… و أضاف مبتسما كما لو أراد أن يذكرني بدين علي دون أن يحرجني…

 تسولت كثيرا للعثور على عنوانك… صمت زمن التفاتة و واصل… حبر النقاد يذرف لصالحك لحد الساعة…  فالحقائق التاريخية سلعة يروج لها العالم بكثرة في هته الأيام… لقد أثار كتابك ضجة كبيرة…

الحقائق التاريخية ؟؟؟ قاطعته ببسمة مجبرة …  مرارة حبري… هي كل ما يجمع بين قصتي و الحقيقة … كل ما فعلته هو الاعتراف بجرم شهدته…ثم تلك الكلمة النسبية المعنى ليست الأحق لتلخيص حتمية ما كتبت… صمتت زمن استرجاع أنفاسي و أضفت محاولة تجنب عينيه… العالم يحترف بكاء التماسيح… يقتل عامدا متعمدا أطفالا ليتعطر بدموع أمهاتهن… يوقد نيرانا ويضرم حروبا ليتمتع بمطالعة جرائده كل صباح… العالم مختص في إنتاج اليتامى و الأرامل و تصدير الأسلحة تحت شعار المواساة و هيمنة الأمم… و لسوء حظنا… اختارنا القدر لنكون المادة الأولية لهته التجارة الرابحة…

 هروبا من حتمية ما هو محظور و مقدر…  قصدنا المستحيل طالبين حق اللجوء الفلسفي المؤقت… فتحدثنا مرارا و تكرارا و كل أحاديثنا انتهت بعلامات استفهام ضخمة تظللها سكرات إعجاب أضخم…

 لكثر ما ضعنا بين متاهات أذهاننا المتعطشة… نسينا نعمة الاحتراق تحت تأثير الحموض الناتجة عن تفاعل طبيعتنا البشرية… لكن المسافات ضوئية بين القلب و الشفاه… قد تختصرها الذاكرة العشيقة تماما كما قد يلغيها الحب في لحظة غفلة…

قال لي…

أتذكرين أول حديث دار بيننا عن أم المدائن هته؟؟؟ … أذكرك…

قطعته قبل أن يتم جزري…

أرجوك احتفظ بذاكرتك عندك… تكفيني فوضى وجودك على مقربة مني… فلا تخلط أشائك بأشلائي…

أجاب ساخرا…

تسريحة شعرك الجديدة ما غيرتك… لا زلت على ذات القدر من السذاجة و الجمال…

كنت أستقبل صوته الذي يأتيني من بعيد… بكثير من القلق المبهم… محاولة السيطرة على أعصابي في صمت … فبعد كل الرسائل التي كتبتها له… دون جواب لم يبقى عندي ما يقال…

أذكر أني لم أكن أشعر بالخيبة و لا بالأسف… لكنني كنت أنتظر… حتى أنني وجدت في انتظاري ملذة ألهتني عن عصف الذاكرة…

كتبت من غير تحفظ … و أنا على يقين أنه لن يمضي دون قراءتي … في البداية استعنت بكل قواميس الخيبة العالمية لوصف غيظي… ثم وجدتني مستسلمة لأشواق غامرة و قلق أشبه بالذي يعصرني اليوم…

علمتني الأزمنة الغابرة كيف أشعل شموع الترقب… دون الشعور بالملل…  بين فراق و رثاء… اجتحت حربا و فارقت وطنا يحتضر… أحمل في متاعي النحيل حزن رادها و ناي كريشنا و فحما مقدس العتمة… أٌقيم به كل ما باغتني اسمه الممنوع… شعائر البكاء…  كدت أطلق العنان لأسئلتي … لكني ما فعلت فلا مكان للاستفهام بعد كل ذلك التهجد بمعبد الشوق…

الكتابة… فن الإعراب عن الذاكرة… لكن كتابك كان مسربا آمنا نحو النسيان… فنقاطك و خواتمك بدت مستطابة في صرامتها… كيف استطعت أن تحتفظي لي بكل هته الذكريات ؟؟؟ … سألني بشيء من الكبرياء الرجولي…

بل كان نتاج مللي المزمن و العتيق… أما عن ذكرياتك فقد أمضيت عمرا ارسمها… حتى أنك كنت حاضرا زمن طباعتها الأولى…  أجبته محاولة حفظ ماء وجهي… لان مهرجتي الزائفة انكشفت… و ما عدت أملك ما يكفيني من ألوان الكذب لرسم ابتساماتي و مقاومة رغبتي الجامحة في الوقوع و التجزؤ عودة إلى مكنوناتي الأولى… بعد كل ما كتبت أعلم الآن أكثر من أي وقت مضى أنه لا بد من الاستسلام لتأدية الفصل الأخير…

أوقف السيارة… كنا قد عدنا للحي اليهودي…

كم من مخطوط  حب  جديد في حقيبتك ؟؟؟ سألني مبتسما قبل أن يسكت المحرك … و أجبت كطفلة مدللة…

كلما باغتني الحنين للخطيئة… جربت زوجا جديدا من العيون … طمعا في العودة للأسود…

كان بإمكانه أن يسألني بغيرة كل الرجال… عن عدد خياناتي لفصل الصيام اللامنتهي الذي امتد بيننا… لكنه اعتاد على صياغة أسئلة أنيقة… تزيدني حيرة و تعبا…  و تأجج اشتاقي للأشياء البسيطة… و الاعترافات المباشرة…

 أعاصيره المشفرة تهب دوما بما لا تشتهيه أشرعتي… 

ك دون خوان فلورنتينو أريزا… جربت الخيانة… وفاءا لهيام مستحيل…  لكن محاولاتي باءت بالملل…

لأني اعتدت على الرغبة في الممنوع… ما عاد المتاح يحرك شهوتي… ثم بعد طول الحرمان ألفت الغياب… فما عاد حضوره يعنيني… 

نزلت من السيارة… كمجرم سلم نفسه للمقصلة…

نزع نظارته… كان وجهه شاحبا… و عيونه متعبة… كمن قضى ليله محاولا إبرام عقد صلح بين الشعوب و الأديان…

فتح بابه… مطأطئا رأسه باتجاه مرحبا و استجبت في صمت و خشوع…

مذ غادرت بيروت… تعلمت أن لا أعود أدراجي … و ها أنا اليوم أقف على عتبة منزل هربت منه و المدينة غارقة في ظلامها كسارق يخشى أن يكشف أمره…

كنت ما تخطيت بعد أزمتي العصابية… و صراعاتي الداخلية كانت قد بلغت أوجها حين استقبلنا صوت يانع الأنوثة… كدت أسأله بغيرة كل النساء عن هويته… لكن الصورة سبقتني…

كثيرة هي الأشياء التي قد تنساها…

موضع مفاتيحك…  مواعيد عملك… جرعة دوائك…

 قد تشرب قهوتك مرة…فقط لأنك كنت مشغولا عن السكر بما هو أحلى أو أمر من بنك…

 لكنك لن تقدر على نسيان باب من أحببت … و تفاصيل لقاءاه… أو آلام الفراق…

ستذكر لون ملابسه… تسريحة شعره… و سيتبعك عطره… ملامحه… كلامه… حتى بجوف غيبوبتك… ستنحل في فمه مع كل لقمة دخلته… لتهطل عرقا مالحا… يعيد كتابتك دون أن يمحو حرفا من ما أحببته يوما…

غريبة هي العلاقات الحميمية التي تقيمها ذاكرتنا العشقية مع أشياء من نحب…

و غبية هي خرافات الهوى التي تتكبر عن التفاصيل مدعية النسيان…

كنا ثلاثة… هو… هي…و ذكرى حب  عائد للأسود … بصالون يهودي الولادة… لائكي النشأة و ملحد التفكير… تماما كصاحبه…

دون جواز رحيل أخذتني  خصال شعرها اللامنتهية التجعد و ثوبها الناصع البياض للبنان 1982… فدخلت بيروت الغربية عنوة…

كانت الصور تصلني دون الصوت…

رأيت حي بير حسن غارقا في فوضى عارمة…  و نحن نشق الغبار… حين بلغنا المدرسة… كان فستاني قد فقد بياضه و تبلل بعض الشيء…

الأرض بدت أقرب… ربما لأنني كنت أصغر… أما السماء… فلست أدري إن أمطرت يومها… لكن فستاني الأبيض كان مبتلا بعض الشيء…

سلمنا على بعضنا كصديقتين غربتهما الأقدار…

التقيتها بباريس لأول مرة… قبل عشرة أعوام… كانت كقطة برية تحترف التمرد على قوانين القبيلة… و كنت كغنيمة حرب تبحث عن أشيائها بين الأغراب…

كثيرا تشبهني… دخلنا مدرسة الحرب و تخرجنا منها بتقدير يتيم… علمنا القدر فنون الخيبة في سن مبكرة… فلم يبقى أمامنا من سبيل سوى الاستلام لواقعنا دون مقاومة…

قرأتني بجوف عيونها…

في بير حسن… دفنت آخر بسمة لي… كذلك أودعت لعبها و براءتها الأولى في مقهى عائلي بتل أبيب… كانت تحضر حفل ميلاد …  فآل العرس إلى صخب …

علمها القدر كيف تتحرق شموع الميلاد بأشلاء أحلام بريئة …

دفعت حياة والدتها و نعمة الوقوف على أقدامها مقابل عرض دامي  كانت و لا زالت في غنا عن حرائقه البهلوانية اللون المرة المذاق … 

الفرق بيننا أنها لم تمشي منذ ذلك اليوم فيما لم أتوقف عن المشي منذ تركت بيروت الغربية…

 


4 juillet, 2009 à 3:36 | Commentaires (2) | Permalien


…مجرد اسم على قائمة بدو رحل

من شيزوفرينيا كرسي الملك… و سادية الحكم… إلى غنغرينيا سرير شهد سبات الشعب و احتضاراته البطيئة… عدت… و القلب سماء ماطرة… أحمل في متاعي النحيل… شتاء… و دستور عشق خارج عن القانون… 

 

ذات صداع يائس… و المدينة تستعد للانتحار بجرعة أسبرين خجولة…  تجرأت و اعتقدت… بكل ما في الفعل من شك الملحدين…. و يقين المعتنقين… اعتقدتني… نزارية النشأة و التكوين…لكن… دون سابق إصرار أو ترصد… وجدتني… بين صفوف الباكيات نزار… و لم يدم بكائي الأكبر… سوى زمن… قصيدة أو بعض ديوان…حينها… انكشفت الخيبة الأعظم…ميثولوجيا الهوى… خرافة…و كل ما اعتقدته أبديا و ربانيا… أمسى خرقة بالية… و ذكرى تعود لزمن أم المعتز… تلاشت… كما الوعود… و العطور… و أشكال الربيع… 

 

 

ثم بعد اشتعال و بعض خيبة…عدت…و استسلمت لديانتي الأولى…فحضرتي … دقة قديمة… لا أفهم كيف يكون للمرء حب أول… و ثان… و ثالث… و خامس عشر… تماما كأم المعتز… أؤمن برب واحد… و حبيب واحد… و قصة حب واحدة… 

 

 

المحطة الأولى… 

 

فاتني قطار الأفول… و لا زلت على شكي العتيق… اجتاح نفق الحب… على حيطة شبه ثملة… لأني أخشى السفر…لم تكن القضية قضية كتاب…فتموز… كاتب فاشل… و هاو لا يعرف عن العشق… سوى الاحتراق بشموس صيفية البنية و المذاق… ثم أم المعتز أمية لا تكلف نفسها عناء القراءة و الكتابة…لا تترجم لبريد الغزل المشفر… و لا تتحدث بالرمز…بل القضية… قضية نرجسية…  و مكابرة… تنكرا لحتمية الهوى… و شقاء الانتظار…لكن … في لحظة يقظة عتمة… وجدتني غارقة… و قد اعترتني مياه السين و الدانوب الأزرق و النيل معا… امتزجت كلها بجوفي… فأمسيت أرملة أضيفت جبرا إلى قوائم الباكيات نزار… لا بسبب الريح الكاذبة… أو العاصفة… فقد كنت على استعداد حميمي للغرق… 

 

 

 

المحطة الثانية… 

 

 

كان المطر يأتيني من النافذة… و النور يحزم أمتعته استعدادا للرحيل…بين قطار و قطار…وسط ديكور حزين… تساوت القراءة و الملل …فما عادت عتمة الحبر و رائحة الورق القديم تثير بجوفي تلك الرغبة البشرية و الغريبة في آن واحد… رغبة السفر برا و بحرا و جوا… لعوالم حبرية من نسج عفاريت الأدب العالمي… 

 

 أذكر أني استمتعت بصيد الحوت الأبيض… في رواية موبي ديك… و تتبعت بحماس أحداث الجريمة و العقاب… بكيت لموت هاملت… قرعت أجراس نوتردام… قرأت بريد الحكيم لأندريه… أحببت خالد بن طوبال… عشقت الموسيقار النمساوي شتراوس…مع غادة السمان…انفجرت مع سهام بين صفحات خضرة… قرأت… حتى صارت سنت بطرسبرغ… براغ… فينا… باريس…دمشق… بيروت…بغداد…تل أبيب و كل المدائن الحزينة… تسكن مني منطقة القلب… و الأهداب… بتجاربها العشقية الشيقة… و مؤامراتها السياسية الشاقة… 

 

لكن تلك الساعة المتأخرة من الشوق… جعلتني أمزج بين الكآبة و الضجر… إلى حد الجنون… و الاحتضار بكاءا على عدم…    

 

 

المحطة ما قبل الأخيرة… 

 

 

كانت أم كلثوم… تبني للحب معابد طربية شاهقة…  فيما اجتاحني قطار الحادية عشر… وجدني متلبسة بالهوى… وقد طال بحثي السري… بين مقدس و مدنس… 

 

 

يوم وجدت بجوفي مسيحا يصلب في اليوم ألف مرة… و اله هندوسيا مشتعلا… علمت أني الآن و أكثر من أي وقت مضى… أعتقد عن خوف… لأني لن استطيع امتلاك عشقي عقيدة للأبد…   

 

 

لم أعرف قبل لذة الكتابة عن احتراق… و لا مشقة البكاء عن غيرة… لطالما كنت قديسة ممنوعة عن الاحتراق و البكاء… فوق غيمتي الماطرة… كنت بعيدة عن عامة العشاق بما لا يقاس… ظننتني أعقل من أن أحب… فكتب لي الحب… حتى أشقى بغير عقلي… و ها أنا ذا… خلاصة قدر خط باسم الضياع ثم الضياع…  بين صفوف الباكيات نزار… 

 

 

المحطة الأخيرة… 

 

منتصف الليل…ساعة الصدق العارية… 

 

 

صفير القطار و حلم كئيب يستعد للانتحار بردا… باسم الرجاء و الانتظار الفارع… يجعلني استجوب نفسي… بالرغم من عامل النرجسية الذي لا يستتر… أجدني كعامة العشاق… على قيد عقيدتي…أشتاق حد الموت لجهنم… و لصوت لا يأتي… و حتما لن يأتي… إلا ليزيد من لوعتي… و ذهولي… 

 

 

ما اعتقدته ضياعا أبديا من غير معلم… أمسى مجرد سفر…بمتاع نحيل…و ذاكرة تحتضر… 

 

كنت أحاول الهروب من تشابك الأبصار… فحبات عيني تنبض… و تسأل على الرغم مني… 

 

لا طالما وجدت في الأسئلة مذلة و تسول… لذا اكتفيت بالموت صمتا… و اخترت الاعتراف عن جهل و انكسار… أنا أنثى الأسلة الخرساء… و دساتير العشق الخارجة عن القانون…  أعتقد بكل ما في الفعل من شك الملحدين… و يقين المعتنقين… أعتقدني كأم المعتز… مجرد اسم على قائمة بدو رحل… 

 

 

 

 

 

 

  

 

 

 

24 avril, 2009 à 23:07 | Commentaires (2) | Permalien


…الحقائب الورقية

 

*فتاة المطعم موسكوفية اسمها ناتاشا…. و أحب أن أسميك مثلها ناتاشا…*

- نزار قباني -

« بعد أن فرقتنا اللغة جاءنا الصمت موحدا… فصرنا نلتقي… رغم خلافاتنا… لنكتب تاريخنا العشقي…تحت ذات المعطف الرمادي المنطفئ… »

… مضى أسبوع  أخرس… مارست فيه حقائبي…الورقية…تظاهرها ضد فقري اللغوي… بجميع طقوسه…

احتجت ضد العزلة و الصمت…

لوحت بعلامات الشوق…

و أخرجت لائحات ثائرة ضد همجية الأحزاب اليمينية المستبدة…

فمن تحت الأنقاض… حقائبي اللينينية الصغيرة… تؤمن بالشعب و العدالة… لا لاقتناعها بالمبادئ و الثورات الاشتراكية… لكن لأنها جبرا…

تنام في الرف اليمين…

لمكتب السياسة الزوجية…

و لأن الزمن يميل إلى اليمين…

و الله يحب اليمين…

و الجنة… و الملائكة كلها تنتخب اليمين…

و لأن البرد هنا عجوز في الستين من عمره   …

يساري … راكد كبركة زيت…

و مربك… كمحطات الصمت بين قطارات العاطفة…

يصلبها بحبال القهر على جدران الارميتاج…

و يدحرها إلى…  اليمين…

البرد هنا… كثيرا يشبهه… فبعد ستين عاما من المقاومة اليسارية …خاضها بالفطرة…أصبح وجهه المتدحرج بين الصمت و الركود…لغزا باردا… كشمعة تحتضر احتراقا…لتسدل غمامة… سرية لدرجة الكآبة…

أما أنا…

فبعد عشرة أعوام من السفر القانوني… تحت وطأة اسم زوجة الدبلوماسي الثقيل… لازلت…مجرد نحلة مناضلة تكتفي بالنوم و الكتابة جبرا فسرا… تحت قمع الجبهة اليسرى من السرير…و أكتفي إذعانا… بمنصب بسيط بورشة تفكيك شفرات وجهه الحزين…و ملامحه الغامضة الملغمة

…بيني و بين آخر مغامرة حبرية خضتها…

انتصب أسبوع روسي من الأسر المختار المعلن…

فلأسباب سياسية محضة…

اخترت عدم الخروج و المقاطعة الشعرية…

لأن سبل الحوار… منعدمة…

استيقظت… بعين تجهش للنزيف…مرة أخرى… على وقع صهيل حقائبي الصغيرة …

كان القسم اليساري من السرير الرحب… خاو على عرشه… و لحقت ساعة إخلاء القسم اليسار…

جرفت قلبي المثقل بالأشواق إلى المطبخ الدبلوماسي…حيث انتظرتني خيبات يسارية عدة…

كانت جميع القوارير فارغة… و لا شيء يؤكل… سوى… ورقة صغيرة… كتب عليها… بخط سياسي رصين… ككذبة شاعرية محتسبة …

من اليسار إلى اليمين…

أنا ذاهب لموسكو… في رحلة عمل…

سأعود بعد ثلاثة أيام… لنحتفل بعيدنا…

و عدت لغرفتي… مقتنعة حد النخاع … بأن نهاية الأسبوع…ستكون… عقوبة  مضجرة بلا نهاية… و صداع يساري حاد…

ما اعتقدتها… قد تطرق بابي…

فهته المدينة الرمادية… الماطرة كقلبي… تكتفي بالمرور في وقار… على مقربة من نافذتك… لتسلبك جميع وثائقك…وتفك مؤامرتك ضد سياستها… لتجد نفسك كما في لحظات العشق القصوى…عبد يسمع…و يطيع أوامرها الملكية… بالانضمام لصفوف شعبها اليساري…

و حدثت المعجزة…و اقتحمت المدينة القيصرة  قاطرتي الموقوفة بتهمة المطر…

وجدتني نائمة… بنصف عين… لأن النوم أجمل توقيع قد يختم به المرء بريد غياب مفتوح… و نصف اليقظة… قنديل يتيم يدل أمل العودة إلى الوطن… عن عناوين عشاق… تناسها زمن الحب… و تآكلتها السياسة…

… انحنت جدراني انحناءة إجلال لسيدة القياصرة… و علقت علامات ذهولها و احتارت… لما مرت في صمت جمع شملنا بعد أن فرقتنا اللغة… فأعدت لي قهوة على عجل…و رفعت عني الحصار…

سانت بطرسبرغ مدينة تقتحمك صمتا…

دون سابق إصرار أو ترصد…

و في جيب معطفها الماطر تذكرة للسفر…

عبر التاريخ و خارج مدار الزمن…

سماؤها… رمادية كمعطفي…

كانت الشمس تستعد للطلوع… لما رن هاتفي… ليوقفني قبل أن أعبر الشارع الثاني خلف الشقة الدبلوماسية… كانت حقائبي تتغرغر شعرا و ترتعش احتفاء… بعودة موسم البرد و المطر…

كثيرا تشبهني هته المدينة اللينينية الهوية…

في رسميتها… و شعبيتها… و حقيقتها اللايمينية و الايسارية…

مثلي تماما…سانت بطرسبرغ مجرد امرأة رمادية… خاضعة للتيارات السياسة الرجولية…

هاتفي…

عائد من السفر… بعد ساعات… لأن السياسة كما تعلم الخيانة… تخون…

و عدت للشقة الدبلوماسية…

و في حقيبتي متفاعلات حبرية جديدة…

و لكن الريح العكسية تلاحق السفن الرمادية الأشرعة حيث ما كانت…

كان في الغرفة … يرقب عودتي…

لم تدم رحلته سوى بضع ساعات… لكن وجهه الملغم ازداد تجعدا… و بردا بعثر متاعي الحبري الثائر بين أطراف الغرفة الأليفة…

استسلمت لحقيقة عجزي على فك ملامحه الروسية الهدوء… فالفودكا…و السجائر اليسارية…و عطور السياسة الفاخرة… عوضت اللبن و العسل و التمر و زيتون العروبة بعروقه… و أنسته دقة الحناء و الكحل الخجول بقرة بيته… فصار يمشي عبثا وراء مطالب اليسار… و ينام إلى اليسار…و يخون قسم الحب رافعا كفه اليسار…

أما أنا… فأكتفي بالقسط اليمين من السرير… وفاءا لشخصيتي الورقية الهاربة من قيد الضجر و فوضي الملل…

يتبع

 

21 février, 2009 à 13:12 | Commentaires (0) | Permalien


…قرحة في المعدة

انجلى شتاء أحمق أخرقت شمسه المزن و المطر… و مع احتضاره… أخرجت السماء معطفها الرمادي… و عزفت ريح العودة بعد طول اغتراب…

بلغها في آخر مراسيله… أن المدينة تنام تحت الثلوج منذ ثلاثة أيام… حدثها عن حقيبة آخر عشيقاته… و أحمر شفاهها… و عن حماقة كلبه … التي دنست المقعد الخلفي للسيارة… و عن فيلم السهرة…

لكن الشمس عادت و ذابت الثلوج… و سكنت الريح… بعد أن أثارت غبار العشق… و نثرت رماد المزن هنا و هناك بين طيات معدتها المتقرحة… و جاءها الليل بغابة ظلمته الحالكة… فهاجمتها وحوش الإلهام… و احتدم الحزن و الظلام…

و بعد مقاومة و تصد… سقطت روحها جريحة تنزف حبرا…

وقفت على شاطئ الهوى… ترجو الغرق… و كانت مغوارة تتأمل ميلاد الأمواج و انتحارها… تقبل رائحة البحر… تعانق النسيم… تخاطب ما بعد خط الأفق… حتى بلغت حد الدوار… فتقيأت آلامها العتيقة… و جرجرت روحها المهزومة…

فالبحر هائج… و الغابة مظلمة… ثم الذئاب و الصقور… تحترق جوعا…

مشت طويلا و لم تصل… كانت الطرقات متشابهة…  أشجار عارية… و أخرى تلبس بعض الزهر النحيل… أو الورق الأخضر الشاحب… و الأجواء تفوح ربيعا… و شذا طير تائه بين عتمة الليل و صبى الفجر القادم من بلد المستحيل…

جلست… و قد نلم الصحو على مهد قلبها… ترجو الصمت بين حنايا خاطرتها… فأفكارها تنبض بشدة… و كان الصداع حادا…

لكن نحيب شهرزاد… كان أحد… و نبض قلبها كان أشد… فالمسكينة… جلست وسط غرفة مظلمة… بلا جدران… بينما الخدم و الحراس غادروا الإيوان… حتى شهريار… خرج حافيا… يهيم بين شوارع بغداد الضيقة… المزدحمة بالدم و الانفجارات… بحثا عن بائع ربيع… يبيعه باقة ورد حمراء… أو طوق بنفسج… يعزز الأعذار… و يعيد لرائعة كل الأزمان… جمالها الأول…

 » توقفي أيتها الأفكار المتمردة عن العبث… فشهرزاد تحكي في ظلمة غرفتها…و تقول عن شهريار أنه أمضى الليلة الألف بين عطور حسناواته… يحتسي خمرا… و يقامر بيوميتها…فأحرق الألف ليلة بحكاياتها… و صنع من ورقة الغد…زورقا… ضاع بين أمواج الدهر… ليرسو… على ضفاف نهر ساعات عاشق يتيم… لطالما أشارت عقارب قلبه الصفراء… إلى أحزان بلا هوية…

و تحولت رائعة كل الأزمان… إلى ألف ليلة و لا شيء بعد…

كان الزورق يشبه في عتمة شراعه أية ليلة عادية… لكن… على صدره رصعت نجمة و هلال… و كان بائع الأزهار في رحلة عسل… يجرب فنادق روما… أو رمال جزر الكناري… فامتطى شهريار فرسه الشقراء… و شق الغبار… بحثا عن غد الألف ليلة…

للمرة الأولى… وضع العاشق اليتيم… رأسه على وسادته المبللة بأنواء الغياب… و قرأ كما لم يقرأ يوما…  جمال ليلة… كتب على قرطاس ظلمتها و بأحرف من ذهب… قصيد تعريف أرقه الشديد… و سافر يبحث في دفئه عن اسم عشيقته…

لكن… ودون سابق إنذار… سقط رأسه و القصيد… و سال النهر مع الدماء… ليعود شهريار مع فرسه… و معه بعض الخدم و الحراس… قيما ضاع بعضهم الآخر في دخان الصراع المحتدم بين الشيعة و السنة… و اعتقلت أمريكا بعضهم الأخير…

اشترى شهريار منديلا للجميلة شهرزاد… بدلا من باقة الورود و طوق البنفسج…لتعود الرائعة إلى ما كانت عليه… و تنتهي الألف ليلة و الليلة… بموت العاشق اليتيم… « 

هكذا اختارت أن ترسل روحها المهزومة الى منفى العراق… بدلا من أن تكتب له و ببساطة… أنها… لا تضع أحمر الشفاه… و تحمل الحقائب المشحونة بالعطور كجميع النساء… و لا ترتكب الحماقات… على المقاعد الخلفية للسيارات كجميع الكلاب… ختى و أنها و غم بطولاتها و جنونها العتاد… لن تحاول الرقص مع الذئاب… ك *كيفين كستنر*  في فيلم السهرة… بل هي و ببساطة… تشتاق لوجهه الباسم… بأدق تفاصيله… و تحن إليه…

لكن ذلك و ببساطة… سيطون توقيع مرسوم القضاء على روحها المهزومة… و الجرعة القاتلة التي ستقضي على كبريائها…

فاختارت عقد صفقة مع الصدفة… بدل إبرام اتفاق مع الذئاب الجائعة و الصقور… و كانت تعلم أنه حتى و إن تعددت السباب سيظل الحزن واحدا… و لكن…

وضعت تصميم الخطة… و كانت تبدو طازجة… جاهزة للطهي… على حرائق قلبها … و قرحة معدتها… فالصدفة وقعت الاتفاق… و سال الوقت الضائع… و استعد للرحيل هدرا… وراءه…

« أولا… » قالت لجيوش وحدتها…

 » سنخطو خطى طريدتنا… حتى نصير لها ظلا… و ستظللنا الصفقة… فتتشابك أبصارنا… صدفة… لتفترق بعد مجرد التحية… ثم نخون العهدة… و نفسخ الاتفاق… لنمر مباشرة… إلى اللقاء المعلن… ثم المنظم الموعود… ليطول حديثنا شيئا فشيئا…

في البداية لن تنتبه الطريدة لوجودنا… و قد تستغرب بعض الشيء… ثم تتأقلم و تعتاد… لتدمن… و تعتنق بشدة… لتحتاج… و تشتاق… لتنتهي بالبحث عنا… و نكون عندها قد انتهينا…   »

و جاء الصباح يختال باكيا… لتخرج إلى العمل… تحت سماء لبست معطفها الرمادي… و الشتاء يحتضر… كانت تمشي على وقع أغنيته المفضلة… تحت المطر… فهي لم تقتنع يوما بحضارة المطرية…

فجأة…

سكتت الأغنية بجوفها… و شعرت بجسدها ينتشر… و يتجزأ… لينثر بين حبات المطر… و سقطت في صمت مع سقوط المطر…

تأزمت حالة قرحتها… فأنجبت نزيفا… حادا… أرسلها إلى قاعة العمليات…

و ما إن فتحت عينيها… في غرفة الإنعاش… استأنفت الموسيقى… و لملمت جزيئاتها واحدة…واحدة… لتكتب له… في آخر مراسيلها…

 » … أيها الخدن الطيب…مضى وقت طويل… عن آخر وجبة أكلتها… و ها أنا اليوم… و للمرة الأولى… منذ رحيلك… أِعر بالجوع الشديد… « 

حدثته عن مرضها… و عن زيارتها الجبرية… و اعتقالها بين الجدران الخضراء… حدثته ختى على الناموس… و الحشرات الخضراء… التي تزورها كل يوم…  قالت أنها أحبت الرقص مع الذئاب…  لكنها نسيت أن تقول:

« … أورثني حبك الخرس قرحة في المعدة…و أنا و ببساطة… أشتاق لوجهك الباسم بأدق تفاصيله… و أحن إليه… »

قالمة

07/03/2007          

21 février, 2009 à 12:49 | Commentaires (0) | Permalien


…بوابة المواجع البشرية

 

دروب متشابكة تألقت على خارطة القلب… مرصعة بألغام السراب… تبدوا زاهرة كالربيع القادم من فجوة الزمن الماطر…و أخرى حافلة بجثث الأوراق… تحمل عبق الخريف…سلكتها جميعا… بحثا عن لغة جديدة… عن لون جديد… قصد تضميد الأتراح القابعة منذ الأزل بمهجها الوديع…

كانت تهوى السفر… تستقيل كل يوم عشقا جديدا… تزرع بذور الملح بين طيات القلوب الرملية القاحلة… و ترقب ازدهار حدائق البحر الزرقاء… تعلق أحلام الياقوت على أبواب الفحم الموصدة… تحرسها ألوف الحراس النحاسية… و الديناصورات الكهربائية…

التقينا بمحطة الصدفة… جلسنا حول عبرة… عند بوابة المواجع البشرية العظيمة… ظهيرة يوم شد إلى أعمدة القدر بخيوط من رماد… كانت في سرها كالقدس زمن الفجر… تسرق البصائر كقبلة تعدم روح الصلاة… تدعو إلى التهجد بين زمرد عينها…

أذكر اني حاولن التوغل في ألكتراز الزمرد… فقبلت عيناها عيوني… و لازلت أحمل أمار الرحلة على جفوني…أبحث عن طريق العودة بين نعومة ملامحها الملائكية… ملامح صغار القطط التي تتجسس على القلوب… تقتحم النفوس دون جواز اجتياح… كانت تنظر إلى البوابة…  تبحث في صمت عن مصدر المواجع البشرية… خافت أن أسرق حقيبتها المشحونة بالخيبات… و خفت أن تجردني من آخر بسمة… احتفظت بها لتوديع الشمس زمن الغروب…

داعب الزمرد طفلا ينزف اجتاز البوابة… و رحل معه إلى أن اضمحلت صورته… و تلاشت بين أشلاء قلبي و حبات الغبار… ثم عاود الزمرد الرحيل… و ظل يرحل و يرحل…لنرحل خلف بوابة المواجع العظيمة… نستقيل كل يوم عشقا جديدا… بحثا عن لغة جديدة… عن لون جديد… قصد تضميد أتراح مهجها الوديع… ألى أ، اضمحل قلبي… و تلاشى… ليجتاز بوابة المواجع البشرية… حينها رحل الزمرد و لم يعد ليقبل عيوني… و يدعوني للضياع بين ألكتراز الصلاة…

قالمة

02/05/2007

21 février, 2009 à 12:08 | Commentaires (0) | Permalien


…خلف قضبان زنزانة فردية

رفع الستار…

على سترة عتيقة… تبدى في الأفق الغامض… وجه شاحب… عيون باهتة… تمعن في الخراب… قلب يشع خشوعا… حزن صبي… يئن بحنايا الروح الطيبة المشنوقة من يدها… الى السماء بسلاسل الإيمان… جسد مطوي يسبح سرا… انه سجود الختام… تحيات لله… تشهد بنفي و إثبات… ثم سلام ذات اليمين و ذات الشمال…

فاضت العيون دمعا… و اغرق الحزن في لجة الصمت الصاخب… و القلب ينزف إيمانا… يدعو الرحمن في سكينة… و بعد…

تألق في الأفق الغامض… فانوس يتيم يخاطب سواد الليل همسا…يكشف ملامح الحزين… و ينير بؤس الزنزانة…

بعد ختم صلاته رحل الحزين عن ذاته… و أطال الغياب… لا زال يمعن في الخراب… و نيل العبرات يصب في يم الذاكرة…

غصن مشلوخ من شجر مبتور من عروقه… منفي الى زمن الأغراب بتهمة الجوى… يعصر مزن الماضي عله يذرف عبرات… عبرات… تعانق دموعه… كما يعانق ثرى المقابر رماد الأهل و الأحبة…

كثيرا أدماه الفراق… و سياط العتاب و العذاب لا تزال مسلطة على خاطرته… من وراء القضبان الحديدية و الجدران الجليدية…

أورثه الدهر قطعة من أرض جهنم مكان القلب المزعوم… و جرح لا يندمل… يتقيأ كل صباح دما و سموم… تعبث به الأيام الدنيئة… تخلد إليه رسوم الأحلام الميتة… و الكوابيس الرديئة…

يمعن في الأرض المسروقة من تحت قدميه… يبحث في ملفات التاريخ عن بينة الملكية… يطالب بحق الحرية… و إدانة القضبان… بحق العناق و الموت بين أحضان الوطن…

مكبل الذهن… سرى على سكة الأحزان…بعاتب قبضة عجزت على تضميد كلم النديمة… و شد روحها… وقف على جسر الحسرة… يمعن في النزيف يلون الثرى الشاحب… يعد آخر أنفاسها… و العبرات تتطاير من أحداقها و ترفض السبيل إلى فؤاده…

أبصر زمهرير الثكل يطوقها… و يداعب ثغرها… حتى بلغت ساعة الفراق…

رحلت…

رحلت في صمت… استسلمت لمليك الحتف… خانت أبدية الهوى…هجرت دون وداع…

أضيفت شقيقة الروح جبرا… لركاب باخرة الشهداء… و نسج من خيوط الرصاص قفطان حداد أبدي… قد يلف عظامه الواهنة ليرحل بها إلى مقبرة الأهل و الأحبة… شق الغبار وحيدا… لكن أغلال الطغاة كانت له بالمرصاد… و جرته عنوة إلى زنزانة القهر و الخراب…

أتعب الزمن الفانوس… فارتوى عفريت الظلمة بسلسبيل نوره… و لا تزال أشجان الحزين تعزفه على كمنجة خرساء…

مدد رماد عظامه الواهنة على سرير ألغاه الصحو و النسيان… أخذ يرمق الزنزانة…

جدران مكسوة بأسماء دامية…

عناكب… تنسج من الصمت… زنابق… تفوح عفنا و قرف…

برد يقصف شظايا الوجدان…

و قزم الدجنة يركل الفراغ و الخواء…

كثيرا أعياه البقاء…

كثيرا أدماه الهجر…

بينه و بين ضلوع ربعه أميال فاق عددها… عدد أرماقع الباقية…

بينه و بين العبرة ضمأ عتيق و جفاف ساقية…

ضاع بين أجداث الأقبية المنكسرة…و خلف الأسوار المثقلة بالأنات كان الأذان معلمه الوحيد…

لكن… ليلة الأبد من شهر الحنظل و الدفلى… و ركام الليل يتهاوى على حطام النهار… انتصبت المنية على المحراب تنعق… » حيوا على الخراب معشر الغبطة…  » و دون سابق إنذار… جرفه شيطان أعرج إلى خارج الزنزانة…

تغرغر القلب خوفا… و الخوف هلع إلى جحر بالكبد… في الحارج… أبصر حانة ظلام تعج بالسكارى و المجانين… كفنت سياط الطغاة جسد المسكين… أمطرته حمما و سيوفا تتضارب بجوف كبده…

ظل يتعفر بين أقدامهم حتى تمزق جلده حد العظم… فاظت آلامه… و تطيب العذاب بشذى جراخه… رثت له السماء… فذرفت عبرات ناصعة… جمدها الدهر على صدر الثرى… و أزهر أقحوان دمه… فزين بياض الجليد…

بجوف حلقه… حصحص الدم و أضحى أعمق من ألف الآه… و أصدق من خرافة الألم… كان يتوق شوقا للرحيل… خلسة مد يده لمليك الردى… عله يختصر العذاب…

لملم الليل آخر نشوة له… ضاعت بين أقبية الجراح… و مدائن الخراب… فتح الجريح عينيه… على سواد زنزانة أغرقها طوفان الدماء… و في الأعماق صادف مقبرة من ثب و دب على الفؤاد… تباينت فوق القبور الألقاب و المضمون واحد…

طمس يمناه في جرح انتصب على صدره… و بفخر ضم عنوان روحه لقائمة السماء الدامية…

عانق الاحتضار عروقه… و تشبث نبضه برماد الحياة… علها تهبه فرصة العناق و الموت بين أحضان الوطن… لكن أنفاسه شاءت عكس نبضه… و فضلت التشهد بالنفي و الإثبات… فدخل القلب لجة الصمت عنوة… ليظل أمل لقاء الوطن… سرابا يئن خلف قضبان زنزانة فردية…

21 février, 2009 à 11:52 | Commentaires (1) | Permalien


…برج الحمام

جرذان تحتفل بمثول الليل… و أقنعة الدجى… تلاطف أشباح التبليم… السابح بين فقاعات لعاب العوالم الحالمة… تتسلل الى قلاعها… التي تحرسها جيوش الذباب العابث بمزابل القلوب الناعسة…

من رصيف لرصيف… ترقص تحت ضوء الفوانيس المكدودة… تجوب الأزقة الخوالي… تتطيب بقرف الوحدة… مع صاحب الظل المديد… غريب يزور برج الحمام… كل ليلة… يمشي مترنحا… يتعثر… تلتوي ساقاه… كأنه يزاول الحطو لأول مرة في عيشته البائسة… يمتطي نعلا باليا… ككتاب تاريخ مطوي السبائك…

ألف قدره الباهت بلغة القذارة… يحمله على غلاف جلده المجعد… الضيق… الأعجف… منذ عشرة أعوام…

يكتبه بشفافية السموم المتعددة البعاد التي تباع بسوق السكر و التخدير… هروبا من فيلة الذاكرة…

يحاول النسيان… لكنه كل ليلة… يزور برج الحمام… يمشي مترنحا… يتعثر… تلتوي ساقاه… كأنه يزاول الخطو لأول مرة في عيشته البائسة…

يجلس بذات المكان… و يمعن النظر بالنافذة الموصدة ذاتها… خلف زجاجها الملون… المستنير بنور شمعة شاحب… جلست قبل عشرة أعوام… سيدة… عاشت ثمانين عاما… ثم رحلت… و لازالت تعيش الى يومنا… بين حنايا قلبع الضعيف… المنهك… لم يسمع له صوت من قبل… لكن سكان الطابق السفلي… قالوا أنه كل ليلة بحدث الجرذان عنها…

  »…رأيت وجه حبيبتي… وقد سافر شعرها في جميع الاتجاهات…

رأيتها…مكبلة اليدين…مستلقية على نعشها الأغر…تطلب إفراجها…

ومن كان معنا… لم يكن هرقلا و لا ايروس!!

 كانت سيدتي تضخ آخر أنفاسها…في جهاز يعزف ألحان الوداع… و كتبت اسمي على شاشة دامسة…بخطوط دقيقة…خلفتها دقات قلبها المتواطئة…

لكن من كان معنا…لم يكن بن لادن…فما رأيت لحية!!  

طلبت إفراجها… و وعدتها بالعودة إلى برج الحمام… وعدت…

لم يكن هتلر…فسيدتي لا تتكلم الألمانية!!  

حجبت الدموع بصري…و ما رأيت سوى تلك الورود الرمادية… بجوف عينيها…حينما نظرت بعيوني…و أودعت بجوف نفسي بسمة أشبه بإطلالة الشمس الخجولة… صباح شتاء ماطر…

يقولون أنها ماتت… لكن شبيه تلك البسمة لا يمكن أن يموت… لا يمكن…

لا يمكن أن يكون شكسبير… لا!!

وعدت أن نأكل الحلوى تحت شجرة الميموزا… ببرج الحمام… تحت أعشاش الحمام…

 ثم كفكفت دموعي و ابتسمت…

من يكون؟؟؟

الحقيقة هي… أني ما رأيته… و ما سلمت عليه… لكني رأيت بصمات قبلاته الزرقاء… على شفاه حبيبتي… و مررت يدي حيث مرت يداه مخلفة برد برج الحمام تحت الثلوج… على جلد حبيبتي… لا أعرف من قد يكون… لكنه كان أقوى مني و من سحر الهوى… لأنه ببساطة… أسرع من الضوء و نسبية أينشتاين… أبجل من الطب و ابن سينا…و جميع آلهة الوم و الاغريق كلها… كان أثبت ارهاب اقتحم عاثمة قلبي… و فجر عيون الوئام دما و دمعا… بل كان آخر دكتلتور أملى ارادته… فألحدت سيدتي… بحبي…و سمعت و أطاعت…لا يمكن أن تكون حضرته الشاعرية  المشخصة… لأن السيد العابث بالدمعة المترقرة بعين حبيبتي اليسار… لم يكن بشريا اسمه    -جو بلاك-… بل كان نورا شفافا… أخذ روح حبيبتي… إلى جوار الواحد الأحد…و رحل الحمام… لتحل محله الجرذان… « 

21 février, 2009 à 0:18 | Commentaires (0) | Permalien


…تحت شجرة الزيتون

وعد… كتبته بشفرة حلاقة على معصميها… تحت شجرة الزيتون… يوم  وقعت من فؤادك و ارتمت بغياهب الجب… كانت على يقين من أن رحيلك من غير عودة… لكنها حاولت أن تعتاد على حبك و أنت ملك لغيرها…

و ماتت على حب ملك الغير…

خطيئتك ؟؟؟

بسمة ساذجة… جعلتك تقتحم عالمها المظلم… لونت شرفتها بلون الغروب… كما يصبغ الحالم فردوسه بالدمقس… و النسرين المسافر على متن الربيع…

لكن النسرين يذبل… و ترحل الأحلام مع ارتحال الربيع…

على الرف بين عرائسها و أشباح طفولتها… عرضت لك وجها… رسمته برحيق الرصاص… ذات حزن زهري.

لا زلت تسأل عن سبب الرحيل ؟؟؟

تحت شجرة الزيتون… بين الأقحوان… و شقائق الزمرد… وسط حقل القمح… نفذت مبدأ تقطيع العروق… و ارتمت بين غياهب الجب…

كانت خاتمة أعمالها الفنية… اسمك المرصع بياقوت نزيفها على جدران الجب…بلغة الهوى…

جواب سؤالك… بين طيلت ذاكرتك… ستخونك كما خنت… لكنها ستعود حتما… لتعلم أن البهي المشترك بين الحب و الجنون… هو أن كلاهما يرفع التحدي… و يواجه البديهيات… ليصنع جمال الخاتمة…

21 février, 2009 à 0:02 | Commentaires (1) | Permalien


…قرار الهدم

تحت سماء الغربة…بين أقبية الشجن المنتصبة… حررت شعرها بمياه المستنقعات… أقامت حضارة الجاهلية…  و مارستها علنا من غير تحفظ… وجدت لقيثارتها منصبا بين جوق الضفادع… و راحت تعزف ألحانا… أطربت مسامع القمل العابث بذاكرتها الحزينة…

بعد عزلة يعجز عجوز الوقت على عد عمرها… عاودها شوق الأطلال… و قررت بعد دراسة و تحليل… العودة إلى ديار الوطن… مع الريح … و أسراب الجراد… و في حقيبتها… قرار بالهدم…

كانت الشمس تستعد للشروق… حين اجتازت بوابة المدينة…

 دخلت ديارها العجوز…

و برغم التجاعيد على جدران الحي…

 برغم كل الشجار التي اختفت… و الأسوار التي كسرت… لا زال عطر الياسمين المعلق على شباك النافذة الخلفية… يهيم بين الشوارع… ينام نوما طيبا مع الغبار تحت وشاح العناكب… على صورة والدتها بجانب السرير…

برغم الفوضى… و عائلة الغياب التي تسكن البيت منذ رحيلها… قبل سبعة عشر عاما… لا زال البيت دافئا… و لا زالت غرفتها… تعج بمراسيل الهوى… و عناوين الأصدقاء القدامى…

جلست على الكرسي الأخضر… حتى بقع الحبر على المكتب… كانت تبدو طازجة… كحبات المطر… خلف زجاج النافذة المنثور هنا و هتا بين شظايا قلبها…

أشعلت سيجارة… ثم أخرى … و أخرى… ثم شرعت في حملة نظافة و تجديد دماء…  دامت قرابة الأسبوع…   و عادت الحياة إلى البيت القديم… بعد صمت دام سبعة عشر عاما… أخرجت موسيقاها و كتبها العتيقة من الحقيبة الخضراء… و وضبتها على رفوف المكتبة… بعد حرب… استشهد خلالها ألوف الصراصير… و يتمت مئات العناكب…  و شرد الكثيرون و أضيفوا جبرا إلى قوائم المنكوبين…

أزهر الياسمين… و زين شباك النافذة الخلفية…

 و زين الحزن شبابيك قلبها الحزين… كلما نظرت من النافذة الخلفية…

كانت تخرج صباح كل يوم لتبتاع السجائر… و الجريدة اليومية… تمشي كغريبة في حيها العجوز…

سبعة عشر سنة… كانت كافية… لتجعل من مهدها منفى لا يعرفها و تعشقه…

حتى معهد الموسيقى… غيرت الأيام ملامحه… و تحول إلى دار شيخوخة…

أصبحت الطرقات ضيقة… و بلغت ذروة الضيق… حين أهل رسم عشيقها الأول و الأخير… يحمل برعم خيانته بين يديه… تاهت في ظله الوارف… و حملتها كوكبة الذكرى إلى يوم الوداع… عند النافذة الخلفية… و سالت حروف مرسوم الفراق… على وجنتيها… عذبة كسيلها من حنايا الياسمين… قبل سبعة عشر عاما… و واصلت السير… حتى بلغت البيت القديم… فتحت الحقيبة و أخرجت قرار الهدم… و قارورة فودكا… ترتعش تحت قطعة من سماء روسيا الجليدية… و بنعومة راقصة باليه… أشعلت سيجارتها الخيرة… لكن لهب السيجارة… لم يكن كافيا لإخماد احتراق الياسمين بشبابيك قلبها… فرشت المكتبة و السرير… و ثوبها… بللت حتى الحقيبة الخضراء بمطر روسيا… و أحرت البيت و احترقت…  هكذا فقط … نفذت قرار الهدم…

قالمة

2007-03-20

20 février, 2009 à 23:50 | Commentaires (0) | Permalien


12